بسم الله الرحمن الرحيم
[ -- دعاةٌ في بَحرِ الرِّياء --]
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، قيوم السماوات والأرض ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وخِيرته من خلقة أجمعين ، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيراً . أما بعد :-
أحبائي ؛ لعل الواقع الذي نحياه يعتصر عليه كل قلب مؤمن ألماً ، زمان كثر فيه النفاق وانتشر فيه الرياء ، و ظَهرتْ قوافلُ إبحارِ دعاةٍ يَسبحونَ فِي فلكِ الرِّياءْ ؛ وإنَّ واجبنا إنكار هذا العمل على أصحابه ، فهو الآفة المهلكة لحسناتهم ، فشرطُ قَبُول العمل عند الله سبحانه وتعالى كما قال الفضيل بن عياض - رحمه الله - في قوله تعالى } الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا { ( الملك : من الآية2) . قال (( أيُّكم أخلَصَهُ و أصوبُه ، قيل : يا أبا علي . ما أخلصه و أصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً ؛ فالخالص ما كان لله ، والصواب ما كان على السُّنة )) . وإن شفقة النبي – صلى الله عليه وسلم – على أمته ذلك أن الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال .
وجاء فيما روى ابن خزيمة في صحيحه عن محمود بن لبيد قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إياكم وشرك السرائر " ، قالوا : يا رسول الله وما شرك السرائر ؟ قال : " يقوم الرجل فيصلي فَيُزَيِّنُ صلاته لما يرى مِن نَظَرِ الرجل إليه . فذلك شرك السَّرائر " ، وقد أسماه خفيا ؛ لأن صاحبه قصد به غير الله ولكن الظاهر غير ذلك .
قال تعالى : " مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16) " سورة هود ، إليك أنت يا من جعلت لله نداً ، أردت الأجر تُجزاه في دنياك ، ويُخزِيكَ عمَلُكَ في أخراك ، فالنار تنتظر الوقود ، فمن أراد ثواب الدنيا ، وثناء العباد ، فقد باء بالخسران ، وقذف به يوم القيامة في النيران ، فتفكر عبد الله !.
ولنا في حديث النبي عليه السلام عبرة وعظة لما رواه أبو هريرة : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك و تعالى إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم و كل أمة جاثية فأول من يدعوا به رجل جمع القرآن ، و رجل يقتل في سبيل الله ؛و رجل كثير مال .فيقول للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا رب ، قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به أناء الليل و آناء النهار فيقول الله له : كذبت و تقول الملائكة : كذبت و يقول الله : بل أردت أن يقال : فلان قارئ فقد قيل، و يؤتى بصاحب المال فيقول الله : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى ؛ قال : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال : كنت أصل الرحم و أتصدق فيقول الله : كذبت و تقول الملائكة : كذبت فيقول الله : بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك. و يؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقال له فيم قتلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله : كذبت و تقول الملائكة : كذبت و يقول الله عز و جل له : بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال : يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة .
الرياء ظلمات ، فلا يُصيبَنَّ قلبك ، واذكر قوله تعالى: } فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا { ( الكهف من الآية : 110) ، " فالعمل الصالح هو الموافق للسنة وعدم الشرك هو الإخلاص " ، وعن أبى سعيد الخدرى t عن النبى r أنه قال فى حجة الوداع: (نضر الله امرءاً سمع مقالتى فوعاها ، فرب حامل لفقه ليس بفقيه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مؤمن: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ) ( [1] ) .
وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله أجمعين ، اللهم انفعنا بعلمنا وزدنا في العلم بسطة ،
واجعلنا من عبادك الْمُخْلَصِينَ .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته